الموسيقى في العصور الوسطى
يبدأ تاريخ الموسيقى الدنيوية في أوروبا في العصر الوسيط، في القرن التاسع؛ ذلك لأن فن الموسيقى ظل خلال ثلاثة قرون حكرًا على الأديرة في فرنسا وألمانيا وإيطاليا، ففيها كان الرهبان ورؤساء الأديرة يجرون التجارب ويقومون بإجراء الأبحاث ويُعلمون الموسيقى غناء وعزفًا، وينسخون الأناشيد الكنسية وخاصة "الجريجوريانيه" التي ظلت ترتقي وتزدهر طوال خمسة قرون حتى أصبحت تجمع كل ما اتصف بالرصانة وجمال التعبير في أفكار العصر الوسيط الموسيقية.
ويضم تراث الأناشيد "الجريجوريانية" عددًا كبيرًا من الألحان تعتمد كلها على أداء الصوت الواحد أي بدون هارمونية أو آلات مصاحبة؛ لذلك كان الاهتمام في صناعتها يتركز على تكوين اللحن والصلة بينه وبين الكلمات، ولكنها جميعًا تتصف بالهدوء الوقور والرقة والبساطة الفنية وسهولة الأداء. إلا أن هذه الألحان في تصميمها ليست بالبساطة التي تبدو بها، ففيها فن إنشائي عظيم وعلى جانب كبير من الإتقان يعبر عن فحواها الروحي تعبيرًا عميقًا ولكن على أبسط أسس ممكنة.
ويضم تراث الأناشيد الجريجورية حصيلة التراثين اللاتيني والشرقي البيزنطي معًا، وبهما بلغ الغناء الديني قمة من الكمال لم يكن في الإمكان الذهاب أبعد منها في ذلك العصر.